المنارة 7 || أسباب قوة المغول

 


أسباب قوة المغول

لسماع المقال الصوتي عبر قناتنا على اليوتيوب اضغط هنا

  أنا أؤمن ان بغداد لم تستعد مجدها منذ ان دخلها المغول، ولهذا لطالما كنت فضوليا حول الأسباب التي مكنت المغول من أسيا، بل جعلتهم قوة لا تهزم، وقوم يترعد الملوك لسماع سيرتهم...

المغول قبائل همجية، لا تعرف العلم والثقافة ولا تدير له بال، قبائل جل همهم ان يتقاتلوا فيما بينهم، لم يحكمهم ملك بل كانوا يعيشون بنظام التحالفات، مجموعة من القبائل تتحالف ضد مجموعة أخرى، وتحدث بينهم الكثير من الحروب والمعارك وهكذا بالمختصر كانوا همج.

حتى جاء تيموجين، أو كما تعرفونه غالبا (جنكيز خان) ولقب جنكيز خان يعني: (سيد الرجال جميعا)، كان والد جنكيز خان يحكم مجموعة من القبائل ثم تم اسقاطه وقتله، لينشأ جنكيز خان كارها حاملا للحقد في قلبه، واضعاً هدف الانتقام لأبيه نصب عينه، بل ان حلمه كبر وعظم من مجرد استرجاع الحكم على بعض القبائل الى هدف السيطرة على كل قبائل المغول، وهذا ما تم له بالفعل بعد صولات وجولات، لتتوحد القبائل الهمجية تحت اسم الإمبراطورية المغولية، وعلى الرغم من أن حلمه تحقق وكان له ما أراد، الا انه لم يكتفي طامعا في السيطرة على كل آسيا، ليجهز جيشا عظيما ليقوده الى حدود الصين الشمالية ليجابهوا أسرة جين الصينية التي تسطير على أراضي واسعة من الصين وينتصروا عليهم، ومن هذه النقطة بدأت أسطورة المغول الذين لا يهزمون.

كان الصينين يعتقدون ان المغول شرذمة قبائل مشتتة لا تشكل أدنى تهديد على الامبراطورية الصينية، لكن جنكيز خان استطاع ضم الصين كاملة لإمبراطورته، ثم استمر في التوسع في آسيا، بل انه وصل الى المجر وصربيا في أوروبا.

وبعد كل هذه التوسعات اصطدم المغول بالمسلمين وتحديدا الدولة الخوارزمية، وجنكيز خان كان يبحث عن مأخذ واحد على الخوارزميين كي يقتحم ديارهم، ويقال فيما يقال انه أرسل تجارا للدولة الخوارزمية وقتلوا هناك ليتخذهم قتلهم حجة لاحتلال الدولة الخوارزمية، وبالفعل تم له ما أراد وسيطر على كامل الدولة، وقضى على جماعة الحشاشين والذين طالما ما كانوا مصدر قلق كبير للمسلمين، ببساطة كان جيش المغول لا يمر على ارض الا وجعلها بورا، ثم وصل المغول لأسوار بغداد والتي كانت عاصمة الدولة العباسية ومعقل خلافة المستعصم بالله، كانت فترة ضعف للعباسيين وكان المستعصم حاكما وصفه المؤرخون انه ضعيف، قليل العقل، وكما قال عنه المؤرخ ابن أيبك الدواداري: [ انه كان فيه هوج، وطيش، وظلم، مع بله، وضعف، وانقياد الى أصحاب السخف، يلعب بطيور الحمام، ويركب الحمير المصرية الفراء]، في الحقيقة كان دنيئا لدرجة انه اتصل بالمغول وبعث لهم الهدايا والكنوز محاولا استرضائهم ليحتفظ بملكه، بعد ان استشار وزيره ابن العلقمي الذي كان متواطئا مع المغول في السر.

  لكن بغداد على الرغم من هذا كانت عاصمة الثقافة في العالم، ومن الصروح العلمية فيها هو بيت الحكمة، أول دار كتب عامة في الإسلام، دار الحكمة أصبحت مركزا للبحث لعلمي، وتنوعت أقسامها بين الترجمة والنسخ والتأليف والتجليد، وكان لها أثر كبير في نقل العلوم والحضارة.

المغول يطوقون بغداد، وبينما المفترض ان يشكل المتخاذل المستعصم جبهة لحماية المدينة كان مشغولا بحفلات السمر والانس، ويقال انه في يوم ما دخل سهم مغولي لقصره، ليغضب من الخدم قائلا: الم آمركم بغلق الشرفات!

وهكذا دخل المغول بغداد ليقتلوا من اهل المدينة مليون وثمانمائة ألف مسلم في أربعين يوم فقط في صورة مؤلمة، وحرقوا بيت الحكمة ورموا الكتب كلها في نهر دجلة، ليتغير لونه الى لون الحبر والدم ذلك لأنهم كانوا يرمون الجثث في النهر أيضا، ولكثرة الجثث وامتلاء الشوارع بها تغير الهواء ونتن الجو وانتشرت الامراض، وبل وانتشر وباء شديد فتك بالمدينة التي أصبحت خاوية على عروشها، حتى اضطر هولاكو ان ينقل مخيمه من المدينة خوفا على جنوده.

أربعون يوما من الهلاك، لتصبح المدينة خربة بعد أن كانت اهم مدن العالم اجمع.

واما المتخاذل فقد أصبح اسيرا، ولشده خوفه كان قد دلهم على كنوز نفيسة كان يستحيل ان يجدها المغول دون أن يدلهم هو عليها، ولما رأى القائد هولاكو كثرة أموال المستعصم قال له: [إذا كنت تعرف ان الذهب لا يؤكل فلم احتفظت به، ولم توزعه على جنودك، حتى يصونوا لك ملكك المورُوث من هجمات هذا الجيش المغير، ولم لم تحول تلك الأبواب الحديدية الى سهام وتسرع الى شاطئ نهر جيحون لتحول دون عبوري].

ليرد عليه المستعصم  قائلا [هذا كان تقدير الله] فرد عليه هولاكو [وما سوف يجري عليك انما هو تقدير الله]، وأمر بسجنه ومنع الطعام عنه، ولما طلب الطعام أرسل له هولاكو طبقا فيه جواهر وذهب وفضة ليأكله مستهزئا به.

ثم بعد ذلك أمر بقتله، وفي قتله اختلاف فيقال انه أمر جنوده أن يركلوه حتى يموت، وقيل أنه أمر بخنقه، أو اغراقه، لكن لا خلاف انه قُتل بطريقة مهينة، ويقال انه قتله هكذا لا ذبحا كي لا تسيل دمائه على الأرض فيصبح له ثأرا بين المسلمين.

أظن ان أهم أسباب تمكن المغول من العالم هو أنهم قبائل همجية اخذت على القتال وعرفته وحفظته، كما ساهمت السمعة التي كانت تسبقهم، فالكل كان يعرف انهم قوم لا يهزم، حتى ان بعض المدن كانت تهرع للاستسلام لهم لأنها تؤمن انه يستحيل هزم المغول، كانوا منتصرين على النفوس والعقول قبل السيطرة على المدن نفسها والتي حين يدخلونها لا يفرضون سيطرتهم عليها  فقط بل وكأنهم يحملون ثأرا ليدمروا المدن كلها ويغادرونها خربة، بالإضافة الى ان المغول كانوا أقواما لا تعرف عهدا ولا ميثاق يغرون اقواما بالاستسلام مقابل الأمان وما أن يستسلموا حتى يذبحون الناس ناسيين عهدهم.



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -