المنارة 7 || أشهر قصائد ذوات ألقاب في الشعر العربي

قصائد ذوات ألقاب


أشهر قصائد ذوات ألقاب في الشعر العربي


الشعر العربي مليء بالقصص الشعرية التي قادتنا الى الكثير من القصائد الخالدة التي بقت عالقة في أذهاننا الى وقتنا هذا، ولكن دوما يكون هناك المميز ويكون هناك الأكثر تميزا، فما هي هذه القصائد التي أحتلت مكانة الأكثر تميزا تلك، واكتسبت شهرة ونجاح مكناها من الصمود الى وقتنا الحاضر محتفظة برونقها، والأهم من ذلك أن تكون محتفظة بقصتها الأصلية التي كتبت لأجلها، فهناك الكثير من القصائد اكتسبت ألقاب جعلتها أكثر قابلية للخلود من غيرها، والجدير بالذكر ان كل قصيدة لها لقب تكون لها قصة وراء هذا اللقب، فما هذه القصائد ذوات الألقاب في الشعر العربي ؟ 

 

إليكم 7 من أشهر القصائد ذوات الألقاب في الشعر العربي: 

  

 القصيدة العصماء

 

جاء رجل الى الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه بعد أن اشتري بيت وأراد منه أن يكتب له عقد شراء بيت ما. 
ولكن الامام رضي الله عنه شعر ان حب الدنيا قد تملك هذا الرجل فكتب قائلا يريد ان يُذِكّر الرجل بأن الدنيا زائلة لا محالة:  

 بعد الحمد الله والثناء عليه،  
أما بعد: 
فقد أشترى ميت من ميت دارا في بلد المذنبين 
وسكة الغافلين لها اربعة حدود، الحد الأول ينتهي 
الى الموت والثاني ينتهي الى القبر والثالث ينتهي 
الى الحساب والرابع ينتهي إما الى الجنة وإما الى النار 
 

فحينما سمع الرجل هذا الكلام بكي بكاء شديد جدا، وأقسم للإمام على أنه تبرع ببيته لأبناء السبيل، فأنشد الإمام علي هذه القصيدة المسماة بالقصيدة العصماء:  

 

النفس تبكي على الدنيا وقـد علمـت *** أن السعادة فيهـا تـرك مـا فيهـا 
لا دار للمرء بعـد المـوت يسكنهـا *** إلا التي كـان قبـل المـوت يبنيهـا 
فـإن بناهـا بخيـر طـاب مسكنـه *** وإن بناهـا بشـر خــاب بانيـهـا 
أموالنـا لـذوي الميـراث نجمعهـا *** ودورنـا لخـراب الدهـر نبنيـهـا 
أين الملوك التـي كانـت مسلطنـة *** حتى سقاها بكأس المـوت ساقيهـا 
فكم مدائن فـي الآفـاق قـد بنيـت *** أمست خرابا وأفنى المـوت أهليهـا 
لا تركنـن إلـى الدنيـا ومـا فيهـا *** فالمـوت لا شـك يفنينـا ويفنيهـا 
لكل نفـس وإن كانـت علـى وجـل *** مـن المنـيـة آمــال تقويـهـا 
المـرء يبسطهـا والدهـر يقبضهـا *** والنفس تنشرهـا والمـوت يطويهـا 
إن المـكـارم أخــلاق مطـهـرة *** الديـن أولهـا والعـقـل ثانيـهـا 
والعلـم ثالثهـا والحلـم رابعـهـا *** والجود خامسهـا والفضـل ساديهـا 
والبـر سابعهـا والشكـر ثامنـهـا *** والصبر تاسعهـا والليـن عاشيهـا 
والنفـس تعلـم أنـي لا أصادقـهـا *** ولسـت أرشـد إلا حيـن أعصيهـا 
واعمل لدار غـد رضـوان خازنهـا *** والجـار أحمـد والرحمـن ناشيهـا 
قصورهـا ذهـب والمسـك طينتهـا *** والزعفـران حشيـش نابـت فيهـا 
أنهارها لبن محـض ومـن عسـل *** والخمر يجري رحيقا فـي مجاريهـا 
والطير تجري على الأغصان عاكفـة *** تسبـح الله جهـرا فـي مغانيـهـا 
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها *** بركعـة فـي ظـلام الليـل يحييهـا 

 

 القصيدة اليتيمة

 

القصيدة اليتيمة، أو قصيدة دعد، أو غيرها من المسميات التي تصف رائعة وخالدة الشاعر دوقلة المنبجي، و تخليد هذه القصيدة لم يكن فقط لأجل فصاحتها و بلاغتها، إنها ذات فصاحة و بلاغة بالطبع ولكن هذا ليس السبب الوحيد لشهرة هذه القصيدة، فالسبب الرئيسي هو القصة التي كُتبت بسببها، حيث يُحكى ان كان هناك ملكة تُسمى دعد،  وأغلب الظن أنها كانت ملكة بأرض من أطراف شبه الجزيرة العربية، حيث كانت على قدر عال من الجمال و الفصاحة والبلاغة وقد طلبت هذه الملكة مهر عبارة عن قصيدة غزلية لم تسمع أذن العرب في مثل فصاحتها من قبل، فسمع شاعرنا هذا الكلام وقرر أن يكون هو العريس الفصيح المنتظر، فرسم صورة لعروسته المستقبلية في خياله، وأنشد فيها القصيدة المنشودة، وحينما انتهى منها حمل أحماله و أحلامه وقصيدته التي ستحقق له هذه الأحلام وذهب مسافرا الى  دعد ليُنشد لها القصيدة ويأثر على قلبها بفصاحته وبلاغته. 

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث أنه في سفره ذلك قابله أعرابي في الطريق، فسأله الأعرابي إلى أين وجهتك؟ فقال دوقلة: إني ذاهب لنيل دعد. 
قال الأعرابي: مهر دعدٍ قصيدة لم تشهدها العرب، فقال دوقلة : وها هي القصيدة معي.  
فطلب الأعرابي إلى الشاعر سماع القصيدة، فألقاها عليه دوقلة فأعجبته، فما كان من هذا الأعرابي إلا أن قتل دوقلة و حفظ القصيدة متوجها بها إلى دعد. 

وبعد أن دخل الأعرابي وعرفها بنفسه، قرأ القصيدة، وهنا بفراستها الملكية أدركت أن كاتب هذه القصيدة ليس هو الأعرابي الذي يلقيها أمامها الان،  لأن دوقلة لحسن الحظ كان أذكي من قاتله وحينما شعر بغدر الأعرابي أضاف لقصيدته بيت يقول فيه: 
إن تــتهمــي فـتهامة وطني : أو تــنجــدي إن الهوى نجدُ  
و كان معنى البيت أن الشاعر من نجد بينما الأعرابي لم يكن نجدياً لأنه في البداية عرف بنفسه و بمكانه الأصلي فصاحت دعد قائلة : اقتلوا قاتل بعلي (زوجي)، فقتله رجالها. 

 

هـــل بالـطـلـول لـسـائــل ٍ ردّ *** أم هـــل لـهــا بتـكـلّـم ٍ عـهــدُ 
دَرَس الجديدُ ، جديـدُ معهدهـا
 *** فكـأنـمـا هـــي ريـطــة جـــردُ 
من طول ما تبكي الغيوم على
 *** عَرَصاتِـهـا ويقـهـقـه الـرعــدُ 
وتــلُــثُّ ســاريـــةٌ وغــاديـــةٌ
 *** ويـكــرُّ نـحــسٌ خـلـفـه سـعــدُ 
تـلــقــاءَ شــامــيــةٍ يـمـانــيــة
 *** لـهــا بـمــورِ تُـرابـهـا سَـــردُ 
فكـسـت بواطـنـهـا ظـواهـرهـا *** نـــوراً كـــأن زهــــاءه بــــرد 
فوقفـت أسألهـا ، وليـس بهـا
 *** إلا الـمـهــا ونـقــانــق رُبـــــد 
فتبـادرت درر الشـؤون علـى
 *** خـــدّي كـمــا يتـنـاثـر الـعـقــد 
لهفي على( دعد ) وما خلقت
 *** إلا لــفـــرط تـلـهـفــي دعـــــدُ 
بيضـاء قـد لبـس الأديــم بـهـاء
 *** الحسُن ، فهو لجِلدهـا جِلـد 
ويـزيـنُ فوديـهـا إذا حـسـرت
 *** ضـافـي الغـدائـر فـاحـمٌ جَـعـد 
فالوجـه مثـل الصبـح مُبـيـضٌّ
 *** والشـعـر مـثـل اللـيـل مـسـودُّ 
ضـدّانِ لـمـا استجمـعـا حسُـنـا
 *** والضـدُّ يظهـر حُسـنـه الـضـدُ 
فكأنـهـا وسـنَــانُ إذا نـظــرَتْ
 *** أو مـدنــف لـمَّــا يُـفِــق بــعــد 
بفتـور عـيـن ٍ مــا بـهـا رمَــدٌ
 *** وبهـا تُـداوى الأعـيـن الـرمـدُ 
والـصـدر مـنـهـا قـــد يـزيـنـه
 *** نـهـدٌ كـحـق الـعــاج إذ يـبــدو 
والمعصمان، فمـا يـرى لهمـا
 *** مــن نعـمـة وبـضـاضـة زنـــد 
ولـهـا بـنــان لـــو أردت لـــه
 *** عـقــداً بـكـفـك أمـكــن الـعـقـد 
وكـأنـمــا سـقـيــت تـرائـبـهــا
 *** والنحـر مـاء الـورد إذا تبـدوا 
وبصـدرهـا حـقــان خللتـهـمـا
 *** كـافـورتـيـن عـلاهــمــا نـــــد 
والبطـن مطـوي كـمـا طـويـت
 *** بيض الرياط يصونها الملـد 
وبـخـصـرهـا هــيــف يـزيـنــه
 *** فــــإذا تــنــوء يــكــاد يـنــقــد 
ولــهــا هــــن رابٍ مـجـسـتـه
 *** وعـر المسالـك، حشـوه وقــد 
فـإذا طعنـت، طعنـت فـي لـبـدٍ
 *** وإذا نــزعــت يــكــاد يـنـســد 
وألـتـف فـخـذاهـا، وفوقـهـمـا
 *** كفـل يجـاذب خصـرهـا نـهـد 
فقيـامـهـا مـثـنـىً إذا نـهـضـت
 *** مــن ثقـلـه، وقعـودهـا فـــرد 
والـكـعـب أدرم لا يـبـيـن لـــه
 *** حـجـم، ولـيـس لـرأســه حـــد 
مــا عابـهـا طــول ولا قِـصَـر
 *** فـي خلقهـا ، فقوامـهـا قـصـد 
إن لـم يكـن وصـل لـديـك لـنـا
 *** يشفي الصبابة ، فليكـن وعْـدُ 
قـد كـان أورق وصلكـم زمـنـا
 *** فذوى الوصـال وأورق الصَّـدُ 
لله أشـــواقـــي إذا نـــزحَــــتْ
 *** دارٌ لـكـم ، ونــأى بـكـم بُـعــدُ 
إن تُتْهـمـي فتـهـامـةٌ وطـنــي
 *** أو تُنْجـدي ، إنَّ الهـوى نَـجْـدُ 
وزعمـت أنــك تُضْمـريـن لـنـا
 *** وُدّاً ، فـهــلاّ يـنـفــع الــــودُّ ! 
وإذا المحب شكا الصدودَ ولـم
 *** يُعْـطَـف عـلـيـه فقـتـلُـه عَـمْــدُ 
نختصُّهـا بالـود ، وهـي علـى
 *** مــا لا نـحـب ، فهـكـذا الـوجـد 
أو مـا تــرى طـمـريَّ بينهـمـا
 *** رجـــل ألـــحّ بـهـزلــه الــجــد 
فالسيف يقطع وهـو ذو صـدءٍ
 *** والنصـل يعلـو الهـام لا الغمـد 
هــل تنفـعـن الـسـيـف حلـيـتـه
 *** يــوم الـجــلاد إذا نـبــا الـحــد 
ولـقـد علـمـتُ بـأنـنـي رجـــلٌ
 *** في الصالحاتِ أروحُ أو أغدو 
سلـمٌ علـى الأدنــى ومرحـمـةٌ
 *** وعلـى الحـوادث هــادن جَـلـدُ 
متجلبـب ثــوب العـفـاف وقــد
 *** غفـل الرقيـب وأمـكـن الــوِردُ 
ومجانـبٌ فعـل القبـيـح ، وقــد
 *** وصل الحبيب ، وساعد السعد 
مـنــع المـطـامـع أن تثـلّـمـنـي
 *** أنــيّ لمِعـولِـهـا صـفــاً صـلــدُ 
فــأروحُ حُـــراً مـــن مذلّـتـهـا
 *** والـحـرُّ حـيـن يطيعـهـا عَـبــدُ 
آلـيــت أمـــدح مُـقـرِفـاً أبــــداً
 *** يبـقـى المـديـح وينـفـد الـرفــدُ 
هيهات ، يأبى ذاك لـي سلـفٌ
 *** خمـدوا ولـم يخمـد لهـم مـجـد 
فالـجَـدُّ كِـنـدة والبـنـون هـمـو
 *** فـزكـى البـنـون وأنـجـب الـجـدُّ 
فلئـن قـفـوت جمـيـل فعلهـمـو
 *** بذمـيـم ِ فعـلـي ، إنـنـي وغــدُ 
أجمـل إذا حاولـت فــي طـلـبٍ
 *** فالـجِـدُ يغـنـي عـنـك لا الـجَـدُّ 
وإذا صـبــرت لـجـهـد نـازلــةٍ
 *** فـكـأنـه مـــا مــســك الـجـهــدُ 
ليـكـن لـديـكِ لـسـائـل ٍ فـــرجٌ
 *** أو لـم يكـن.. فليحـسـن الــردُّ 
 

 

 القصيدة المؤنسة

 

 قصيدة الشاعر قيس بن الملوح، المعروف بلقب مجنون ليلى، قصيدة المؤنسة، لم يكن قيس مجنونا فعلا، ولكنه كان يوصف بذلك نظرا لهيامه وحبه الشديد لليلى العامرية، والتي يُقال أنها كانت ابنة عمه، وكان قد نشأ معها وعشقها إلا أن أهلها أبوا أن يزوجوه إياها وزوجوها لرجل اخر. وتسمى القصيدة بالمؤنسة لأن قيسا كان كثيرا ما يرددها ويأنس بها. 

 

تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا *** وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا 

وَيَومٍ كَظِلِّ الرُمحِ قَصَّرتُ ظِلَّهُ *** بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا 

بِثَمدينَ لاحَت نارُ لَيلى وَصُحبَتي *** بِذاتِ الغَضى تُزجي المَطِيَّ النَواجِيا 

فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً *** بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا 

فَقُلتُ لَهُ بَل نارُ لَيلى تَوَقَّدَت *** بِعَليا تَسامى ضَوءُها فَبَدا لِيا 

فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضى *** وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا 

فَيا لَيلَ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ *** إِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا 

خَليلَيَّ إِن لا تَبكِيانِيَ أَلتَمِس خَليلاً *** إِذا أَنزَفتُ دَمعي بَكى لِيا 

فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً *** وَلا أُنشِدُ الأَشعارَ إِلّا تَداوِيا 

وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما *** يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا 

لَحى اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا *** وَجَدنا طَوالَ الدَهرِ لِلحُبِّ شافِيا 

وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ *** تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا 

فَشَبَّ بَنو لَيلى وَشَبَّ بَنو اِبنِها *** وَأَعلاقُ لَيلى في فُؤادي كَما هِيا 

إِذا ما جَلَسنا مَجلِساً نَستَلِذُّهُ *** تَواشَوا بِنا حَتّى أَمَلَّ مَكانِيا 

سَقى اللَهُ جاراتٍ لِلَيلى تَباعَدَت *** بِهِنَّ النَوى حَيثُ اِحتَلَلنَ المَطالِيا 

وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنىً *** وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا 

وَلا نِسوَةٌ صَبِّغنَ كَبداءَ جَلعَداً *** لِتُشبِهَ لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا 

خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي *** قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا 

قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها *** فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرِ لَيلى اِبتَلانِيا 

وَخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ لِلَيلى *** إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا 

فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت *** فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا 

فَلَو أَنَّ واشٍ بِاليَمامَةِ دارُهُ *** وَداري بِأَعلى حَضرَمَوتَ اِهتَدى لِيا 

وَماذا لَهُم لا أَحسَنَ اللَهُ حالُهُم *** مِنَ الحَظِّ في تَصريمِ لَيلى حَبالِيا 

وَقَد كُنتُ أَعلو حُبَّ لَيلى فَلَم يَزَل *** بِيَ النَقضُ وَالإِبرامُ حَتّى عَلانِيا 

فَيا رَبِّ سَوّي الحُبَّ بَيني وَبَينَها *** يَكونُ كَفافاً لا عَلَيَّ وَلا لِيا 

فَما طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ *** وَلا الصُبحُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا 

وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا *** سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا 

وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَمِيَّةٍ *** مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا 

وَلا هَبَّتِ الريحُ الجُنوبُ لِأَرضِها *** مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا 

فَإِن تَمنَعوا لَيلى وَتَحموا بِلادَها *** عَلَيَّ فَلَن تَحموا عَلَيَّ القَوافِيا 

فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَنّي أُحِبُّها *** فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا؟ 

قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا *** وَبِالشَوقِ مِنّي وَالغَرامِ قَضى لَيا 

وَإِنَّ الَّذي أَمَّلتُ يا أُمَّ مالِكٍ *** أَشابَ فُوَيدي وَاِستَهامَ فُؤادَيا 

أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ *** وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا 

وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني *** أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا 

أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها *** بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا 

وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها *** وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا 

أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها *** أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا 

خَليلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ وَالمُنى *** فَمَن لي بِلَيلى أَو فَمَن ذا لَها بِيا 

لَعَمري لَقَد أَبكَيتِني يا حَمامَةَ ال *** عَقيقِ وَأَبكَيتِ العُيونَ البَواكِيا 

خَليلَيَّ ما أَرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما *** أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لِيا 

وَتُجرِمُ لَيلى ثُمَّ تَزعُمُ أَنَّني سَلوتُ *** وَلا يَخفى عَلى الناسِ ما بِيا 

فَلَم أَرَ مِثلَينا خَليلَي صَبابَةٍ *** أَشَدَّ عَلى رَغمِ الأَعادي تَصافِيا 

خَليلانِ لا نَرجو اللِقاءَ وَلا نَرى *** خَليلَينِ إِلّا يَرجُوانِ تَلاقِيا 

وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ أَن تَعرِضِ المُنى *** بِوَصلِكِ أَو أَن تَعرِضي في المُنى لِيا 

يَقولُ أُناسٌ عَلَّ مَجنونَ عامِرٍ *** يَرومُ سُلوّاً قُلتُ أَنّى لِما بِيا 

بِيَ اليَأسُ أَو داءُ الهُيامِ أَصابَني *** فَإِيّاكَ عَنّي لا يَكُن بِكَ ما بِيا 

إِذا ما اِستَطالَ الدَهرُ يا أُمَّ مالِكٍ *** فَشَأنُ المَنايا القاضِياتِ وَشانِيا 

إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل *** بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا 

فَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَشقَيتِ عِيشَتي *** وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَنعَمتِ بالِيا 

وَأَنتِ الَّتي ما مِن صَديقٍ وَلا عِداً *** يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إِلّا رَثى لِيا 

أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورَها *** وَمُتَّخَذٌ ذَنباً لَها أَن تَرانِيا ؟ 

إِذا سِرتُ في الأَرضِ الفَضاءِ رَأَيتُني *** أُصانِعُ رَحلي أَن يَميلَ حِيالِيا 

يَميناً إِذا كانَت يَميناً وَإِن تَكُن *** شِمالاً يُنازِعنِ الهَوى عَن شِمالِيا 

وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ *** لَعَلَّ خَيالاً مِنكِ يَلقى خَيالِيا 

هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً *** وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا 

إِذا نَحنُ أَدلَجنا وَأَنتِ أَمامَنا *** كَفا لِمَطايانا بِذِكراكِ هادِيا 

ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَت لَها *** وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا 

أَلا أَيُّها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَّجوا *** عَلَينا فَقَد أَمسى هَواناً يَمانِيا 

أُسائِلُكُم هَل سالَ نَعمانُ بَعدَنا *** وَحُبَّ إِلَينا بَطنُ نَعمانَ وادِيا 

أَلا يا حَمامَي بَطنِ نَعمانَ هِجتُما *** عَلَيَّ الهَوى لَمّا تَغَنَّيتُما لِيا 

وَأَبكَيتُماني وَسطَ صَحبي وَلَم أَكُن *** أُبالي دُموعَ العَينِ لَو كُنتُ خالِيا 

وَيا أَيُّها القُمرِيَّتانِ تَجاوَبا *** بِلَحنَيكُما ثُمَّ اِسجَعا عَلَّلانِيا 

فَإِن أَنتُما اِسطَترَبتُما أَو أَرَدتُما *** لَحاقاً بِأَطلالِ الغَضى فَاِتبَعانِيا 

أَلا لَيتَ شِعري ما لِلَيلى وَمالِيا *** وَما لِلصِبا مِن بَعدِ شَيبٍ عَلانِيا؟ 

أَلا أَيُّها الواشي بِلَيلى أَلا تَرى *** إِلى مَن تَشيها أَو بِمَن جِئتُ واشِيا؟ 

لَئِن ظَعَنَ الأَحبابُ يا أُمَّ مالِكٍ *** فَما ظَعَنَ الحُبُّ الَّذي في فُؤادِيا 

فَيا رَبِّ إِذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى *** فَزِنّي بِعَينَيها كَما زِنتَها لِيا 

وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها *** فَإِنّي بِلَيلى قَد لَقيتُ الدَواهِيا 

عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ *** وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا 

خَليلَيَّ إِن ضَنّوا بِلَيلى فَقَرِّبا لِيَ *** النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا 

وإن مت من داء الصبابة فأبلغا *** شبيهة ضوء الشمس مني سلاميا 

 

 القصيدة الفراقية  

  

يتيمة أخري من يتامى القصائد ولكن هذه المرة يتيمة الشاعر العباسي أبو الحسن علي بن زريق البغدادي، سميت قصيدته بالقصيدة الفراقية، والعينية، ويتيمة ابن زريق البغدادي. 

 كان شاعرنا هذا مهتم كثيرا بطلب رغد العيش وكان مستعد أن يسافر بحارا وأراضي كثيرة طلبا له، وذات مرة سمع عن أحد وجهاء الأندلس الذي يعطي مالا لمن يمدحه فقرر السفر، ولكن زوجت والتي كانت ابنة عم له وفي قلبه لها حب عميق حاولت منعه ولكنه لم يستمع لها وسافر، ولكنه مع الأسف لم يوفق، وفي رحلة عودته مرض وأشتد به المرض، وحينما شعر ان أجل الله قريب كتب لزوجته وحبيبة عمره هذه القصيدة الباقية:  

 

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ *** قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ 
جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّبِهِ *** مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ 
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً *** مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ 
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ *** فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ 
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ *** مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ 
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ *** رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ 
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ *** مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ 
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً *** وَلَو إِلى السَندّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ 
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه *** للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ 
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ *** رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ 
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ *** لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ 
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى *** مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ 
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت *** بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ 
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه *** إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ 
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً *** بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ 
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي *** صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ 
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً *** وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ 
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ *** عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ 
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ *** بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ 
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ *** وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ 
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا *** شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ 
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ *** كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ 
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ *** الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ 
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ *** لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ 
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها *** بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ 
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ *** بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ 
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا *** لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ 
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي *** بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ 
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ *** عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ 
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً *** فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ 
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست *** آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ 
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا *** أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ 
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ *** وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ 
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ *** كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ 
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا *** جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ 
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي *** بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ 
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً *** فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ 
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا *** جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ 
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ *** فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ 

 

 قصيدة البردة 


 قصيدة البردة لكعب بن زهير تعد من أشهر القصائد في مدح الرسول، وهي عبارة عن محاولة للاعتذار إليه وسميت بالبردة لأنه صلّى الله عليه وسلم، أعطى بردته لـكعب بعد أن أنشدها، كان كعب كثيرا ما يهجو رسولنا الكريم، وحينما دخل أخوه الى الإسلام أنشد معاتبا أخاه: 

 

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة *** فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا 
فبيِّن لنا إن كنت لست بفاعل *** على أي شيء غير ذلك دلكا 
على مذهب لم تلف أما ولا أبا *** عليه ولم تدرك عليه أخا لكا 
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف *** ولا قائل إما عثرت لعا لكا 
سقاك بها المأمون كأسا روية *** فأنهلك المأمون منها وعلكا 

 

ويقال انه حينما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا مسلما وإن أنت لم تفعل فإنج إلى نجائك وكان كعب قد قال معاتبا أخاه بعد أن أسلم القصيدة سالفة الذكر. فشعر كعب بالخوف على حياته وكتب قصيدته التي عرفت لاحقا بقصيدة البردة ودخل الى الرسول مسجده متلثما وقرأها له في مسجد فعفى عنه رسولنا الكريم. 

 

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ *** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ 
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا *** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ 
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً *** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ 
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت *** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ 
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ *** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ 
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ *** مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ 
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت *** ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ 
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها *** فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ 
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها *** كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ 
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت *** إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ 
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً *** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ 
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ *** وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ 
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت *** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ 
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها *** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ 
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ *** فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ 
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت *** عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ 
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ *** إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ 
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها *** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ 
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ *** وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ 
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ *** مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ 
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ *** مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ 
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها *** مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ 
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ *** في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ 
قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها *** عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ 
تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ *** ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ 
سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً *** لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ 
يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً *** كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ 
كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت *** وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ 
وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت *** وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا 
شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ *** قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ 
نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها *** لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ 
تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها *** مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ 
يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم *** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ 
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ *** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ 
فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ *** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ 
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ *** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ 
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني *** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ 
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال *** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ 
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم *** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ 
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ *** أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ 
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ *** مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ 
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً *** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ 
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ *** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ 
لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ *** وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ 
مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً *** بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ 
يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما *** لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ 
إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ *** أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ 
مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً *** وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ 
وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ *** مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ 
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ *** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ 
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم *** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا 
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ *** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ 
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ *** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ 
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ *** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ 
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم *** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ 
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ *** قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا 
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ *** ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ 
  

 القصيدة المحمدية 

 

كثيرٌ من الشعراء قد تسارعوا على مدح النبي وكان من هؤلاء الشعراء الامام البوصيري الذي مدح النبي في أكثر من قصيدة ومن ضمنهم القصيدة المحمدية التي تبدأ كل أبياتها باسم النبي صلي الله عليه وسلم: 

 

مُحمَّدٌ أشْرَفُ الأعْرابِ و العَجَم 
مُحمدٌ خيرُ مَن يمْشِى على قدمِ 
مُحمَّدٌ باسط المعروفِ جَامِعة 
مُحمَّد صاحِب الإحْسَانِ و الكرَمِ 
مُحمَّدٌ تاج رُسْل الله قاطِبة 
مُحمَّدٌ صادِقُ الأقوالِ و الكلِمِ 
مُحمَّد ثابت الميثاق حافظُه 
مُحمَّدٌ طَيِّبُ الأَخلاق و الشِّيَمِ 
مُحمَّدٌ رُويَتْ بالنوُر طِينته 
مُحمَّدٌ لم يَزلْ نور اًمن القِدَم 
مُحمَّدٌ حَاكِم بالعَدْل ذو شرَفٍ 
مُحمَّدٌ مَعْدِن الأنعام و الحِكم 
مُحمَّدٌ خيْرُ رُسْل الله مِن مُضر 
مُحمَّدٌ خيْرُ رُسْل اللهِ كُلِّهِمِ 
مُحُمَّد دِينُه حَق ندِين بهِ 
محمَّدٌ مُجْمِلاً حَقا على عَلَم 
مُحمدٌ ذِكْرُهُ رَوْحٌ لأنفسنا 
مُحمَّدٌ شكْرُهُ فرض على الأمَم 
مُحمَّدٌ زينة الدنيا وبَهْجَتُها 
مُحمَّدٌ كاشِفُ الغُمات و الظلَم 
مُحمَّد سَيد طابتْ مَناقِبَه 
مُحمَّدٌ صَاغه الرَّحْمَن بالنِّعم 
مُحمَّدٌ صَفوة البَارى و خيرته 
مُحمَّدٌ طاهِرُ مِن سَائِر التُهم 
مُحمَّدٌ ضاحِكٌ للضَّيفِ مُكْرِمُهُ 
مُحمَّدٌ جارُه و اللهِ لَمْ يُضَم 
مُحمد طابت الدنيا ببعثه 
مُحمَّدٌ جاءَ بالآيات و الحِكَم 
مُحمدٌ يوم بعث الناس شافِعُنا 
مُحمَّدٌ نورُهُ الهَادِى من الظُلَم 
محمد قائِم لله ذو هِمَم 
مُحمَّد خاَتِمٌ لِلرُسْل كلهم 

 

 الأصمعي والفتى العاشق 

 

انها قصة أكثر من كونها قصيدة، وما أكثر قصص الأصمعي، حيث له من القصص الكثير، الأصمعي والأمير، الأصمعي والملك، الأصمعي والشاعرات الثلاث، وكثيرا من القصص الأخرى والتي تهمنا منها قصيدة الأصمعي والفتي العاشق  

ساء حال عاشق لانقطاع الوصل مع معشوقته، وظل العاشق المسكين هائما مدة من الزمن وفي أثناء تجواله في صحراء البادية، وجد حجرا فكتب عليه: 

ألا يا معشر العشاق بالله خبروا *** إذا حل عشق بالفتي ما ذا يصنع 

وقد كتب الفتى العاشق هذا البيت الذي بدأ به قصته مع الأصمعي، كتبه مناشدا أهل الحب والعشق، وذهب الفتي وأظنه لم يكن ينتظر ردا، ولكن ها هو الأصمعي يمر واجدا الحجر وقارئا المكتوب عليه بواسطة عاشق مسكين، فقرر المتنبي ان لا يترك سائلا عن العشق دون جواب فأجابه قائلا:  

 يداري هواه ويكتــم سره *** ثم يصبر في الأمور ويخشع

 

ولم تنتهي القصة عند هذا الحد فعاد المسكين في يومه التالي وقرأ جواب سؤاله، ولكن من قال ان أسئلة العشاق تنضب أو يجف بحرها، فكتب سائلا للمرة الثانية يقول: 

 

كيف يداري والهوى قاتل الفتي *** وفي كل يوم قلبه يتقطع

 

أظنك قد توقعت ما حدث، وهذا بالضبط ما حدث، فقد مر الأصمعي مجددا وأعياه ترك سؤال عاشق دون جواب فرد عليه يقول: 

 

إذا لم يجد بد لكتمان سره فليس *** له شيء سوى الموت أنفع  

 ثم جاء الفتي في اليوم الذي يليه فقرأ رد الأصمعي الذي كان به من الأحباط والحس على الاستسلام لنار العشق أكثر مما بها من تشجيع لمواصلة مجابهة العشق وناره فكتب العاشق المسكين:  

 

سمعنا وأطعنا فمتنا فبلغوا *** سلامي إلي من كان للوصل يمنع

 

ويقال ان الأصمعي وجد بجوار الحجر جثة الفتى العاشق المغدور به من نار العشق. 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -