هوس التكديس: اضطراب العصر الحديث وتأثيراته النفسية والجسدية
يقول الكاتب " كارين كينغ ستون ": "الاحتفاظ بالأشياء المتراكمة وغير المرتبة له أثر على البدن كما له أثر على النفس"، وهذا ينطبق تمامًا على هوس التكديس القهري، وهو اضطراب نفسي يتمثل في الاحتفاظ بأشياء لا قيمة لها، مما يؤدي إلى فوضى جسدية وعاطفية في حياة المصابين به.
في هذا المقال، سنناقش مفهوم هوس التكديس وأسبابه وتأثيراته، إلى جانب كيفية التعامل مع هذا الاضطراب، لنساعدك على فهم هذا السلوك وكيفية التخلص منه.
ما هو هوس التكديس؟
هوس التكديس أو الاكتناز القهري هو اضطراب نفسي يتميز بالاحتفاظ بأشياء غالبًا ما تكون غير ذات قيمة. يعاني المصاب من قلق شديد وتوتر مفرط يمنعه من التخلص من الأشياء، حتى لو كانت غير ضرورية. يشعر الشخص المصاب بالارتباط العاطفي العميق بهذه الممتلكات ويواجه صعوبة كبيرة في اتخاذ قرار التخلص منها. وفقًا لبعض الدراسات، يعتقد أن نسبة تتراوح بين 2% إلى 6% من السكان يعانون من هذا الاضطراب.
هوس التكديس وثقافة الاستهلاك
يعتبر البعض أن هوس التكديس هو نتيجة مباشرة لثقافة الاستهلاك التي انتشرت بشكل كبير في العصر الحديث. في الماضي، كان البشر يكدسون الموارد للحفاظ عليها في أوقات الندرة، لكن في عالم اليوم، حيث يتوفر كل شيء بشكل مفرط، تحول هذا السلوك إلى مشكلة نفسية، مشابهة لمشكلة السمنة التي ارتبطت بشراهة تناول الطعام.
يختلف هوس التكديس عن جمع التحف أو العملات النادرة، حيث أن المصاب بالاكتناز يحتفظ بأي شيء بغض النظر عن قيمته المادية أو المعنوية، في حين أن الهواة يجمعون أشياء ذات قيمة بهدف التباهي أو بيعها في المستقبل.
قصة هومر ولنجلي كولير: أشهر حالات هوس التكديس
من أشهر القصص التي تسلط الضوء على هوس التكديس القهري هي قصة الأخوين هومر ولنجلي كولير. عاش الأخوان في نيويورك خلال النصف الأول من القرن العشرين في منزل ضخم، وبعد وفاة والديهما، أصيب هومر بالعمى، وبدأ لنجلي في تجميع الصحف التي كان يقرأها أخوه على أمل أن يعود له بصره يومًا ما. استمر لنجلي في تكديس الأغراض حتى امتلأ المنزل بالكامل بالأشياء غير الضرورية.
في النهاية، توفي هومر جوعًا ولقي لنجلي حتفه بسبب انهيار كومة من الأشياء عليه وهو يحاول الوصول إلى أخيه. عندما تم اكتشاف الجثث، أخرجت السلطات أكثر من 130 طنًا من القمامة، بما في ذلك 14 بيانو و25 ألف كتاب.
تأثيرات هوس التكديس على الحياة اليومية
يؤدي هوس التكديس إلى تأثيرات نفسية وجسدية سلبية على المصاب. يعاني المصابون من عزلة اجتماعية بسبب تراكم الفوضى في منازلهم، مما يجعلها غير قابلة للسكن. تتراكم الحشرات والقوارض، وتزداد احتمالات نشوب حرائق أو انهيار كومات الأغراض، مما يعرّض المصاب لخطر الإصابة الجسدية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الاكتناز القهري بشكل كبير على الصحة النفسية، حيث يعاني المصابون من القلق الدائم، التردد في اتخاذ القرارات، والضغط النفسي المستمر.
أسباب هوس التكديس
لا توجد أسباب محددة لاضطراب التكديس القهري، ولكن هناك عدة نظريات تحاول تفسيره. إحدى هذه النظريات تشير إلى أن المصاب قد يكون تعرض لصدمات نفسية في الماضي جعلته يشعر بالحاجة إلى الاحتفاظ بكل شيء كمحاولة لتعويض الفراغ العاطفي. نظريات أخرى تربط هذا الاضطراب بنقص القدرة على اتخاذ القرارات أو وجود مشاكل في التنظيم الشخصي.
كيف يمكن علاج هوس التكديس؟
على الرغم من أن المصاب بهوس التكديس نادرًا ما يدرك أنه يعاني من مشكلة، إلا أنه يمكن علاجه من خلال:
1. "العلاج السلوكي المعرفي (CBT):" يساعد العلاج السلوكي المصاب على تغيير طريقة تفكيره تجاه الأشياء وفهم أن الاحتفاظ بها لا يحسن من حياته، بل يضر بها.
2. "العلاج الدوائي:" يمكن استخدام الأدوية في بعض الحالات لمساعدة المصاب على التحكم في مشاعر القلق والتوتر التي تصاحبه عند محاولة التخلص من الأغراض.
كيفية الوقاية من هوس التكديس
إذا كنت تشعر بأنك قد تكون عرضة لهوس التكديس، هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتجنب الوقوع في هذا الفخ النفسي:
1. "قم بمراجعة ممتلكاتك بانتظام:" خصص وقتًا دوريًا للتخلص من الأشياء غير الضرورية.
2. "تعلم اتخاذ القرارات:" حاول اتخاذ قرارات فورية بشأن ما إذا كنت بحاجة إلى شيء ما أم لا.
3. "حدد مساحة للتخزين:" حافظ على حدود واضحة لما يمكن تخزينه في منزلك. إذا كانت المساحة ممتلئة، هذا يعني أن الوقت قد حان للتخلص من بعض الأشياء.
4. "اطلب المساعدة:" إذا شعرت بأن الأمور تخرج عن سيطرتك، لا تتردد في طلب المساعدة من الأهل أو الأصدقاء أو المختصين.
الخلاصة
هوس التكديس هو اضطراب نفسي يؤثر على حياة المصابين به بشكل كبير. إنه ليس مجرد سلوك احتفاظ بالأشياء، بل هو حالة معقدة تؤثر على النفس والجسد. إذا كنت تعاني من هذا الاضطراب أو تعرف شخصًا يعاني منه، لا تتردد في البحث عن الحلول المناسبة، سواء من خلال العلاج النفسي أو الدوائي. التخلص من التكديس يمكن أن يعيد التوازن إلى حياتك ويمنحك شعورًا بالراحة النفسية والحرية.